منتدى خاص بكل عائلات دواجي في كل أنحاء الوطن وحتى خارج الوطن
هل تريد التفاعل مع هذه المساهمة؟ كل ما عليك هو إنشاء حساب جديد ببضع خطوات أو تسجيل الدخول للمتابعة.

منتدى خاص بكل عائلات دواجي في كل أنحاء الوطن وحتى خارج الوطن


 
الرئيسيةأحدث الصورالتسجيلدخول
حفظ البيانات؟
Elegant Rose - Working In Background

 

 أفلا يتدبرون القرآن

اذهب الى الأسفل 
كاتب الموضوعرسالة
AhmeD
Admin



عدد المساهمات : 137
تاريخ التسجيل : 15/08/2011
العمر : 34
الموقع : www.daouadji.ahlamontada.com

أفلا يتدبرون القرآن Empty
مُساهمةموضوع: أفلا يتدبرون القرآن   أفلا يتدبرون القرآن Emptyالثلاثاء يوليو 31, 2012 12:37 am





أفلا يتدبرون القرآن





خطبة جمعة بمسجد محمد الفاتح

بتاريخ 28/1/1433هـ





- الحمدلةُ .

لقد جاء ذاتَ ليلةٍ مباركةٍ ..

هبطَ على رسولِ الله صلى الله عليه وسلم وهو جالسٌ يتعبّدُ في غارِ حراء ..

إنّه القرآنُ .. وحيُ السماءِ ..

انْبعِثْ في الأرضِ يا وَحْيَ السَّماءْ واسْرِ يا نُورَ الهُدَى مِلءَ الفَضاءْ

انْبَعِثْ كالرُّوحِ يا رُوحَ الرَّجاءْ وامْلأ الأكوانَ مِثلَ الكهرباءْ

أنتَ مَعْنَى الخَلْقِ أو سِرُّ البَقاءْ

[ أحمد محرم ]







جاء هدىً وإرشاداً .. (( شهر رمضان الذي أنزلَ فيه القرآن هدى للناس وبينات من الهدى والفرقان )) .

جاء شفاء ورحمةً .. (( وننزل من القرآن ما هو شفاء ورحمةٌ للمؤمنين )) .

جاء عافيةً من الشقاء .. (( ما أنزلنا عليك القرآن لتشقى )) .

جاءً تقويماً للعقولِ وتسديداً للمدارك .. (( إنا أنزلناه قرآناً عربياً لعلكم تعقلون )) .

(( إنّهُ لقرآن كريم ، في كتابٍ مكنونٍ )) .

إنه كتاب الله, آيات منزلة، فالأرض بها سماء, هي منها كواكب، بل الجند الإلهي قد نشر له من الفضيلة علمٌ, وانضوت إليه من الأرواح مواكب.

أغلت دونه القلوب، فاقتحم أقفالها، وامتنعت عليه أعراف الضمائر فابتز أنفالها.

وكم صد المشركون عن سبيله صدًا؟ ومن ذا يدافع السيل إذا هدر؟

واعترضوه بالألسنة ردًا، ولعمري من يرد على الله القدر؟

نعم هو القرآن, ألفاظ إذا اشتدت فأمواج البحار الزاخرة، وإذا هي لانت فأنفاس الحياة الآخرة.

نعم هو القرآن الكريم, المعجزة الخالدة لهذا الدين، وهو الكتاب الحكيم الذي أنزل الله على نبيه الكريم.

وهو الكتابُ الذي فيه من غرائب الأسرار، وعجائب الأحوال، ماتحار فيه العقول، وتقف دونه المدارك.

بيدَ أنَّ هذا الكتابَ الجليل لا يفتح أبوابه ولا يهبُ كنوزَهُ إلا لمن تدبَّرَه .

فالتدبُّر مفتاحُ إدراكِ كل هذه المعاني .

ولو لم تكن للتدبر سوى هذه الفضيلة .. أعني فضيلة أن يفتح لك أسرار القرآن، ويكشف لك بركاتِهِ لكفاه شرفاً وفضلاً، ولو لم تكن إلا هذه لكان ذلك كافياً لأن يحمل كل واحدٍ منا على أن يلتمس سبيلاً إلى هذه المنزلة الرفيعة .

ينقدحُ الآن في ذهني وربما في أذهانكم سؤالان جوهريان:

ما حقيقة التدبر ؟

وكيف نتدبّر ؟





التدبُّر أيها الأحبّة تفعُّلٌ من ( الدُّبُرِ ) وأصلُ معناهُ في اللغةِ التفكير في أدبارِ الأمور، أي في عواقبِها ومآلاتِها، ثم استخدُمَ في التفكير لإدراك مآلات الكلامِ ومراميه.

ولكن كلمةَ التدبُّرِ حين تُضاف إلى كتاب الله عز وجلَّ تكتسبُ أبعاداً إضافيَّةً !

ذلك أنَّ التدبُّر بمعناه اللغويّ المحض هو عملُ عقلٍ فحسب.

ولكنّ التدبُّرَ في كتاب الله عز وجل هو عملُ عقلٍ وقلبٍ معاً !

بل قد يقول القائلُ: إنَّ التدبر الأهم في كتاب الله هو تدبُّرُ القلب بالتأثر والخشوع والخضوع، وما تدبُّرُ العقل إلا سبيلٌ إلى هذا التدبُّرِ القلبيّ، ويشهدُ لهذا المعنى أمثال هذه الآيات الكريمات:

( وإنه لتنزيل رب العالمين، نزل به الروح الأمين، على قلبك لتكون من المنذرين، بلسان عربيّ مبين ).

فتأمل قوله : ( على قلبك ) .

( قل من كان عدوا ً لجبريل فإنّه نزله على قلبك ) .

وانظر كذلك دلالة هذه الآيات التي تربطُ الذِّكرَ – والقرآن أشرف الذكر – بالقلوب :

( ألم يأن للذين آمنوا أن تخشع قلوبهم لذكر الله ).

( الذين آمنوا وتطمئنّ قلوبهم بذكر الله ).

( من أغفلنا قلبه عن ذكرنا ) .

( وإذا ذكر الله وحده اشمأزت قلوب الذين لايؤمنون بالآخرة ).



بل انظر إن شئت هذا التصريحَ القرآنيّ الذي يربط التدبر بالقلب:

( أفلا يتدبرون القرآن أم على قلوب أقفالها ).

ثمّ تأمل إن شئتَ حادثة شقِّ الصدرِ، وكيف أنَّ الله جل جلاله بعث ملكاً يشق صدر النبيّ صلى الله عليه وسلم ويغسله بماء زمزم ليتهيّأ لنزول الوحي .

نستطيع أن نقول إذنْ :

إنَّ لدينا تدبرين :

أحدُهما يفضي إلى الآخر .

فالأولُ : تدبرُ العقل بالفهم والإدراك .

والثاني : تدبُّر القلبِ بالخشوع والاتعاظِ والامتثال، ومعلومٌ أنه متى امتثل القلبُ امتثلت الجوارحُ، وقد قال أبو هريرة رضي الله عنه : "القلب ملك والأعضاء جنوده فإن طاب الملك طابت جنوده وإذا خبث الملك خبثت جنوده".

ومن عجائب القرآن وخصائصه وفرائدِهِ أنّ المؤمن لايعدَمُ حظاً من التدبُّرِ ولو لم يكن يفهمُ ما يقرؤه ويسمعُهُ من كتاب الله !

نعمْ ..

لن يقع له تمام التدبُّرِ إلا بالفهمِ والإدراك .

ولكنَّ ثمتَ ضرباً من التدبُّرِ يسميه أهل العلمِ تدبُّرَ المحبة!

وذلك بأنْ يتذكر الإنسانُ وهو يقرأ القرآن أو يسمعُهُ أنه كلام الله، وأنه هو مخاطبٌ به، وأن هذا الخالق الجليل قد شرف هذا المخلوق الضعيف بأن أنزل إليه الوحي، وبلغه الرسالة، فما يزالُ العبدُ يتدبر في هذه المعاني، ويتصور جلال الموقف، ويتأمل في عظمة المقام، حتى يخشع قلبه وتدمع عيناه، وإنْ لم يكن قد فهم شيئا!!

ولولا هذا الوجه العجيبُ من التدبر لما كان للأعاجم حظٌّ من كتاب الله.

وقد رأيتُ ولعل أكثركم رأى .. ذلك المقطع الشهير في ( يوتيوب ) الذي ظهر فيه طفل عجميٌّ لا يفقه من العربية حرفاً، وهو يقرأ القرآن قراءة متقنةً عجيبة وتدمع عيناه من البكاء !

من أي شيء يبكي وهو لا يفقه مما يقرأ حرفا ؟

إنه تدبر المحبة أيها السادة !

تدبرُ المحبة !

ولله هذا الكتاب العظيم الذي لا يُحرم من بركتِهِ من ورده، ولو لم يكن يعرفه من لغته حرفاً واحداً !!

ولننظر أيها السادةُ فيما كان يفعله التدبُّر الحقُّ عقلياً وقلبياً في نفوس السادةِ العظماء من الصالحين :

لقد كان التدبر يحملهم على دقة فهم مراد الله :

وقد أدرك ابن عباسٍ بحسن تدبره مافات غيره من الصحابة رضي الله عنه الجميع، جمع عمرُ يوماً صحابة رسول الله صلى الله عليه وسلم تَقُولُونَ فِي قَوْلِ اللَّهِ، عَزَّ وَجَلَّ: {إِذَا جَاءَ نَصْرُ اللَّهِ وَالْفَتْحُ} ؟ فَقَالَ بَعْضُهُمْ: أَمَرَنَا أَنْ نَحمد اللَّهَ وَنَسْتَغْفِرَهُ إِذَا نَصَرَنَا وفُتح عَلَيْنَا. وَسَكَتَ بَعْضُهُمْ فَلَمْ يَقُلْ شَيْئًا، فَقَالَ عمر لابن عباس: أَكَذَلِكَ تَقُولُ يَا ابْنَ عَبَّاسٍ؟ فَقُلْتُ: لَا. فَقَالَ: مَا تَقُولُ؟ فَقُلْتُ: هُوَ أجلُ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَعْلَمَهُ لَهُ، قَالَ: {إِذَا جَاءَ نَصْرُ اللَّهِ وَالْفَتْحُ} فَذَلِكَ عَلَامَةُ أَجَلِكَ، {فَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ وَاسْتَغْفِرْهُ إِنَّهُ كَانَ تَوَّابًا} فَقَالَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ: لَا أَعْلَمُ مِنْهَا إِلَّا مَا تَقُولُ.

وكان التدبُّرُ يُبكيهم !

ففي السنن عن عبد الله بن الشِّخير قال : (رأيت رسول الله يصلي بنا وفي صدره أزيزكأزيز المرجل من البكاء)!

ووقف صلى الله عليه وسلم يوماً على عبد الله بن مسعود وطلب منه أن يقرأ عليه القرآن ، وقال له : إني أحب أن أسمعه من غيري . فلما بلغ ابن مسعود قوله تعالى : ( فكيف إذا جئنا من كل أمةٍ بشهيدٍ وجئنا بك على هؤلاء شهيدا ) جعلت عينا رسول الله صلى الله عليه وسلم تذرفانِ .

وتروي عائشة رضي الله عنها فتقول: قام النبيّ صلى الله عليه وسلم ليلة من الليالي، فتطهر ثم قام يصلي ، فلم يزل يبكي صلى الله عليه وسلم حتى بل حجره، ثم بكى فلم يزل يبكي حتى بل الأرض، و جاء بلال يؤذنه للصلاة، فلما رآه يبكي قال يا رسول الله تبكي و قد غفر الله لك ما تقدم من ذنبك و ما تأخر؟ قال: ( أفلا أكون عبدا شكورا لقد نزلت الليلة علي آيات ويل لمن قرأها ولم يتفكر فيها ) ، ثم تلا : ( إن في خلق السموات و الأرض و اختلاف الليل و النهار لآيات لأولي الألباب .. ) إلى آخر سورة آل عمران .

وكان التدبر يُغدق على قلوبهم الفرح بالتلاوة :

تقول أم عطية : كان لنا جار يترنم بالقرآن كل ليلة ، وكنت إذا سمعت ترنمه أحسست وكأن الدنيا كلها حيزت له ، لما أرى من سروره وفرحه .

وقال مالك بن دينار : إن الصديقين إذا تليت عليهم آيات الرحمن طربت قلوبهم واشتاقت إلى ماعنده ، ثم يقول : اسمعوا إلى ما يقول الصادق من فوق عرشه ، ثم يبدأ في التلاوة

وكان التدبُّر يملأ قلبهم شوقاً للقرآن:

وقد بلغ من شوق لطفي بن يونس الدمشقي – من علماء القرني الحادي عشر – لحفظ كتاب الله أنّه اشترى جاريةً تجيد قراءة القرآن فحفظه منها تلقيناً لأنه كان رمِداً لا يكاد يبصر .

كل هذا شوقاً لأن يكون من أهل القرآن، ولكأني به يقول:

آيات ربي تستثير مودتي وأحس منها في الفؤاد دبيبا

لا عضو لي إلا وفيه محبة فكأن أعضائي خلقن قلوبا

وكان التدبّر يحملهم على تكرار المتلوّ بلا سأم :

وثبت عند أحمد النسائي من حديث أبي ذر أنه صلى الله عليه وسلم قام بآية يرددها حتى الصباح، وهي قوله تعالى : (إن تعذبهم فإنهم عبادك وإن تغفر لهم فإنك أنت العزيز الحكيم).

وقال القاسم بن محمد كنت إذا غدوت ابدأ ببيت عائشة رضي الله تعالي عنها فاسلم عليها ، فغدوت يوما فإذا هي قائمة تقرأ ( فمن الله علينا ووقانا عذاب السموم) تدعو وتبكي و ترددها، فقمت حتى مللت القيام، فذهبت إلى السوق لحاجتي ثم رجعت فإذا هي قائمة تصلي وتبكي!!

وكان التدبر يحملهم على كثرة التلاوة :

لما حضرت أبا بكر بن عياش ( شعبة ) الوفاة بكت أخته فقال لها : ما يبكيك ؟ انظري إلى تلك الزاوية ، فقد ختم أخوك فيها ثمانية عشر ألف ختمة.

ومثلُهُ عبد الله بن إدريس الإمام الحافظ المقرئ ، فقد بكت ابنتُهُ لما نزل به الموت فقال : لا تبكي يا بنيّة ، فقد ختمت القرآن في هذا البيت أربعة آلاف ختمة !

وختم الكتّاني في الطوافِ اثني عشر ألف ختمة .

وكان قتادة بن دِعامة السّدوسيّ يختم القرآن في سبعٍ ، وإذا جاء رمضان ختم في كل ثلاث ، فإذا جاء العشر ختم في كل ليلة .

وكان التدبُّر يحملهم على الوقوف عند أوامر الله ونواهيه والامتثال لها بلا تردد :

قال مجاهدٌ في تفسير قوله تعالى: (يتلونه حق تلاوته) أي: يتبعونه حق اتباعه.

وأخرج بن جرير بسنده عن ابن مسعود – رضي الله عنه – قال: "كان الرجل منا إذا تعلم عشر آيات لم يجاوزهن حتى يعرف معانيهن والعمل بهن".

وحين نزل قوله تعالى : (مَنْ ذَا الَّذِي يُقْرِضُ اللهَ قَرْضًا حَسَنًا فَيُضَاعِفَهُ لَهُ أَضْعَافًا كَثِيرَةً وَاللهُ يَقْبِضُ وَيَبْسُطُ وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ) قال أبو الدحداح رضي الله عنه: يارسول الله، آلله يريد منا القرض؟ قال: نعم، ثم قال: فإن أقرضت ربي حديقتي فلي مثلها في الجنة؟ قال صلى الله عليه وسلم نعم. قال: وأم الدحداح معي؟ قال: نعم، قال: يا رَسُول اللَّهِ، اشهد بأني قَدْ تصدقت بها عَلَى الفقراء أَوْ بعتها من اللَّه ورسوله، ثم جاء إلى باب الحديقة فتحرج أن يدخلها إذ جعلها للَّه ورسوله فصاح:

يا أم دحداح هداك الهادي

إلى سبيل القصد والرشاد

بيني من الحائط الَّذِي بالوادي

فقد مضى قرضا إلى التناد

أقرضته اللَّه عَلَى اعتماد

طوعا بلا من وَلا ارتداد

إِلَّا رجاء الضعف فِي المعاد

فودعي الحائط وداع العاد!

وهكذا استجاب للآية لحظة نزولها !

هذا ما يفعله التدبر بالصالحين ! فهماً وتأثراً وشوقاً وعملاً .

فلا غرو بعد ذلك أنْ نرى حث القرآن على التدبر وإيجابه له :

( كتاب أنزلنا إليك مبارك ليدبروا آياته )

( أفلا يتدبرون القرآن أم على قلوب أقفالها )

( أفلا يتدبرون القرآن ولو كان من عند غير الله لوجدوا فيه اختلافاً كثيراً).

بل يقول صلى الله عليه وسلم عن آياتٍ من القرآن : (ويلٌ لمن قرأهنّ ولم يتدبرهنّ).

ولا غرو أيضاً أن نرى عشرات النصوص عن السلف في التحذيرِ من هذِّ القرآن وعدم تدبره :

سأل رجلٌ زيدَ بن ثابتٍ: كيف ترى في قراءة القرآن في سبع؟ قال زيدٌ: ذلك حسن، ولأَن أقرأه في نصف شهرٍ أو عشرين أحبُّ إليَّ، وسلْني: لمَ ذلك؟ قال: إني أسألك. قال زيدٌ: لكي أتدبَّر وأقِف عليه؛ أخرجه الإمام مالك في "الموطأ"، وعبد الرزاق في "مصنفه".

وهذا ابن عباس - رضي الله عنهما - يقول له نصرُ بن عمران: إني سريعُ القراءة - وفي لفظٍ: إني سريع القرآن -، إني أقرأ القرآن في ثلاث، فيقول ابن عباس - رضي الله عنهما -: "لأَن أقرأ البقرةَ في ليلةٍ أتدبَّرُها وأُرتِّلُها أحبُّ إليَّ أن أقرأ كما تقرأ".

وهذا عبد الله بن مسعود - رضي الله عنه - يقول له رجلٌ: إني لأقرأ المُفصَّل في ركعة، فيقول ابن مسعود - رضي الله عنه -: "هَذًّا كهذِّ الشعر؟! إن أقوامًا يقرأون القرآن لا يُجاوِزُ تراقِيَهم، ولكن إذا وقع في القلب فرسخَ فيه نفع".

وقال - رضي الله عنه - أيضًا: "اقرأوا القرآن وحرِّكوا به القلوب، وقِفوا عند عجائبه، ولا يكن همُّ أحدكم آخرَ السورة".

وقد ذكر العلماء أن التدبر واجبٌ وأن من لم يتدبَّرْ أثِمَ بذلك، أخذا بما سبق من النصوص والأدلة، وتعلقوا كذلك بنحو حديث الصخرةِ، وفيه: أن النبيّ صلى الله عليه وسلم رأى في رؤياه الشهيرة رجلاً يثلغ رأسه بحجرٍ فيتدهدى الحجر فيتبعه الملك فلا يعود إليه إلا وقد طاب رأسه فيثلغه أخرى وهكذا، فلما سأل عنه النبي صلى الله عليه وسلم قيل له: هو الرجل يؤتى القرآن فيرفضه وينام عن الصلاة المكتوبة!

إذنْ أيها الإخوة ..

قد بان لنا وجوب التدبرِ .

وبان لنا جميلُ أثره في المؤمن .

وبان لنا سوء عاقبة من تركه وأعرض عنه .

فلذلك يجبُ على كل منا .. أن يجعل تدبر هذا الكتاب العظيم واجباً من واجباتِهِ التي يسعى إليها ويحرص عليها .























أفلا يتدبرون القرآن



= الثانية :

مازال أمامنا حديث طويلٌ حول آلياتِ التدبر وطرائقه ومجالاتِهِ .. لاتسعه هذه الخطبة قطعاً !

ولكن لابد لي هنا من توضيح بعض الفهوم الخاطئة التي تنشأ عن طرح مفهوم التدبر والتذكير به .

أول هذه الفهوم : عدول البعض عن تلاوة المصحف بدعوى أنه لايستطيع القيام بواجب التدبر! ويخشى التقصير !

والحق ان فاعل ذلك قد ترك التدبر وترك محاولته أيضا !!

ولو بقي يقرأ ويجاهد نفسه ويحاول التدبر لبقي في عافية، فإن الله لايكلف نفسا إلا وسعها، ومطلوب من الإنسان بذل الأسباب فإن علم الله صدقه في ذلك جازاه بالخير، ولم يكلفه مالا يطيق!

ولعل مجيء عامّة النصوص المتعلقة بالقرآن بلفظ : القراءة، والتلاوة، والتعلّم. (إنّ الذين يتلون كتاب الله)، ( الذي يقرأ القرآن وهو ماهرٌ به)، (مثل المؤمن الذي يقرأ القرآن)، ( اقرؤوا القرآن فإنه يأتي يوم القيامة)، (خيركم من تعلّم القرآن)،

لعل في هذا ما يشعر بأن على المسلم أن يقرأ محاولاً التدبر، فإن وقع له فذلك المأمول، وإن لم يقع لم يكن قصّر فيما طُلِب منه.

وقد رُوِي أن ابن حنبل رأى الله في المنام، وسأله عن أحب شيء يقرب إليه، فقال: كتابي يقرأ، فسأله: بفهم أو بغير فهم، فقال : بفهم وبغير فهم.

وحين سألت شيخي العلامة الددو عن هذا الأثر وهل يفهم منه أنه يسع الإنسان أن يقرأ بغير فهم، قال: هذه بشارة لمن يشق عليه الفهم لا أكثر.

إذنْ المطلوب منا وجوباً السعيُ للتدبر ومحاولتُهُ، وترك التلاوة بحجة عدم القدرة على التدبر هو مضاعفةٌ للخطأ، وإيغالٌ في التقصير.

وثاني هذه الفهوم المغلوطة : تركُ كثرة التلاوة! والاقتصار على أقل القليل منها بحجة التدبر!

فتجد الشخص وقد كان يقرأ الجزء في اليوم قد عدل إلى صفحة بحجة أنه يريد أن يتدبرها !

والحقُّ أنّ غاية المقصود مما ورد من تحذيرات في النصوص هو أن يعتاد الإنسان أن تكون له تلاوة تدبر بإزاء تلاوة الختم، وألا تكون صلته بالقرآن مقتصرة فقط على الختمات السريعة التي لا يكاد يفقه منها شيئاً .

وليس مقصودها ألا ينال الإنسان شرف القراءة وكثرة التلاوة.

وكيف يمكن التزهيد في كثرة التلاوة وقد قال صلى الله عليه وسلم : (مَنْ قَرَأَ حَرْفًا مِنْ كِتَابِ اللَّهِ فَلَهُ بِهِ حَسَنَةٌ، وَالحَسَنَةُ بِعَشْرِ أَمْثَالِهَا، لَا أَقُولُ الم حَرْفٌ، وَلَكِنْ أَلِفٌ حَرْفٌ وَلَامٌ حَرْفٌ وَمِيمٌ حَرْفٌ) ؟

وكيف يمكن التزهيدُ في كثرة التلاوة وقد صحّ عن عديد من الصحابة أنهم قرؤوا القرآن في ركعة؟ قال النووي : وأما الذي يختم القرآن في ركعة فلا يحصون لكثرتهم فمن المتقدمين عثمان بن عفان ، و تميم الداري ، وسعيد بن جبير رضي الله ختمة في كل ركعة في الكعبة [ التبيان 48 ]

إذنْ لابدّ من الموازنة بين النصوص والآثار .. ومن صور هذه الموازنة ماقال النووي رحمه الله : "و الاختيار أن ذلك يختلف بالأشخاص فمن كان من أهل الهم و تدقيق الفكر استحب له أن يقتصر على القدر الذي لا يختل به المقصود من التدبر و استخراج المعاني و كذا من كان له شغل بالعلم و غيره من مهمات الدين و مصالح المسلمين العامة يستحب له أن يقتصر منه على القدر الذي لا يخل بما هو فيه ، و من لم يكن كذلك فالأولى له الاستكثار ما أمكنه من غير خروج إلى الملل ، و لا يقرؤه هذرمة" . [ الفتح 8/715 ]

وقد سبق لهذا المنبر تحرير هذه المسألة وبسطُ القول فيها بأكثر من هذا.

والبعض يتعلق بما صح عن عمر رضي الله عنه من أنه قرأ البقرة في ثماني سنين! ويظن أن عمر ظل ثماني سنوات لايقرأ من كتاب الله إلا سورة البقرة !

وقد غفل من ظن هذا الظن عن أن عمر كان يحفظ كتاب الله عز وجل كاملاً، فكيف له أن يحفظه إذا كان لم يقرأ سوى البقرة خلال ثماني سنوات؟ ثم كيف له بعد ذلك أن يحافظ على حفظه؟

إنّ هذا الأثر يتحدث عن ( تلاوة خاصة ) شرع فيها عمر رضي الله عنه في سورة البقرة مستجلياً متأملاً متبصراً، وهي لم تشغله عن تلاوته في الصلاة وتلاواته الأخرى التي يختم فيها القرآن الكريم .

إذن ..

كما أننا ننهى أنفسنا عن هجر التدبر والتلاوة المتأنية الخاشعة المصحوبة بعميق النظر، فكذلك ننهى أنفسنا عن الحرمان من كثرة التلاوة واكتيال الأجور.

وليكن للإنسان وجهان في تلاوته : وجه للختم لا يبلغُ به حد الهذرة والسآمة، ووجه آخرُ للتأمل والتدبر والتبصر، فيجعل لهذا مساقاً ولهذا مساقاً، لهذا ختمة، ولهذا ختمة.

وبهذا تجتمع الفضائلُ .

وثالثُ هذه الفهوم : التحرُّج من تحفيظ الصبيان للقرآن، بحجة أن الأولى أو الواجب تربيتهم عليه، وتفهيمه لهم، وليس مجرد تحفيظهم !

ويتعلق صاحب هذا الفهم بمثل ماروي عن جندب بن عبدالله قال: كنا مع النبي ونحن فتيان حزاورة فتعلمنا الإيمان قبل أن نتعلم القرآن ثم تعلمنا القرآن فازددنا به إيماناً

أو بمثل ماروي عن ابن عمر : إنا كنا صدور هذه الأمة، وكان الرجل من خيار أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم وصالحيهم ما يقيم إلا سورة من القرآن أو شبه ذلك، وكان القرآن ثقيلا عليهم، ورزقوا علما به وعملا، وإن آخر هذه الأمة يخف عليهم القرآن حتى يقرأه الصبي والعجميّ لايعلمون منه شيئاً .

وأول اعتراض يردُ هنا : هو أن التربية على القرآن ليست شيئاً يضادُّهُ حفظه، فنعم .. تنبغي تربية الأطفال على أخلاق القرآن وآدابه، لكن هل هناك منطق صائب يقول: إننا إذا حفظنا الصغار القرآن فقد حُلنا بينهم وبين فهمه والتربية عليه؟ وأننا إذا لم نفعل فقد أتحنا لهم الفرصة للتربي على أخلاق القرآن؟ إنه منطق معوجٌّ بلا شك !

ثمّ إنَّ المطلوب أن يُربَّى الأطفال على الإيمان إذا كان ذلك ينقصهم، أو أن يُفهَّموا معانيه بقدر ما يعقلون، وليس المطلوب أن يُصرفوا عن حفظ كتاب الله لأنّهم لم يربّوا على الإيمان بعد !

ما أفهمه من مثل هذه النصوص هو ضرورة تتميم العنصر الناقص في المعادلة، لا الدعوة إلى حذف العنصر الإيجابيّ الموجود فيها!

بل إن حصول مادة القرآن محفوظة في ذهن الطفل أعونُ على فهمه والتربية عليه .

وأما كون الصحابةِ وصالحيهم لا يقيم أحدهم إلا سورة من القرآن فهذا مرده إلى أنهم قومٌ شهدوا نزول الوحي، وقد نزل مفرقاً، فما كان يستطيع حفظه كله إلا من كان ملازما للنبي يحفظ كل آية عند نزولها، فلذلك قل الحفظ في الجيل الأول من الصحابة رضي الله عنه، أما صغار الصحابة الذين شبّوا والقرآن مجموعٌ محفوظ فقد كان حفظ القرآن فيهم كثيراً جداً، وأما من جاء بعدهم من التابعين فمن وراءهم من الأجيال فقد كان الأصل في أطفالهم حفظ القرآن، على ذلك درجت الأمةُ قروناً وخرجتْ لنا أعلاما كباراً من المفسرين والصالحين والمتدبرين.

ثمّ إنّ عقل الصغير عقل أميلُ للحفظ، وعقل الكبير أميلُ للفهم، ومن الحكم أن تستغل كل مرحلة فيما يحسنُهُ أبناؤها .

أيها الأحبة .. وددتُ أن أتحدث عن آليات التدبر في مقامي هذا ولكن قد ترون أنه طال الحديث فليكن ذلك في مقام آخر !

والسلام .
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
https://daouadji.ahlamontada.com
 
أفلا يتدبرون القرآن
الرجوع الى أعلى الصفحة 
صفحة 1 من اصل 1
 مواضيع مماثلة
-
»  كيف تقرأ القرآن ؟ وكيف تفهم القرآن ؟
» فضل القرآن الكريم
» فضل قراءة القرآن
» السبيل لكي نكون مع القرآن
»  حكمة نـزول القرآن على مكث

صلاحيات هذا المنتدى:لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى
منتدى خاص بكل عائلات دواجي في كل أنحاء الوطن وحتى خارج الوطن :: إسلاميات :: القرآن الكريم-
انتقل الى: